فغاية أي «عقل ناضج، حين يخرج من تجربة أي كان نوعها أن يخضعها للبحث والتفتيش والدراسة، واستخلاص العبر والدروس منها، في صمتٍ مكتنز بالحكمة، وتؤدةٍ لا عصابية فيها ولا هياج ولا تبجح. لكن هناك من يخالف هذا المنطق البسيط، والمنحى السليم، فما كدنا نهنأ باتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإنهاء هذه المأساة الإنسانية التي امتدت على مدار (467) يوماً، منذ مغامرة «طوفان الأقصى» الفاشلة، (نحو خمسين ألف شهيد ومليوني مشرّد ومدينة بالكامل مُحيت عن بكرة أبيها، مغامرة فرد واحد بأهل غزة)، حتى ظهرت بعض الأصوات التي تحمل في طياتها ذات الخطاب السقيم، والمقذوفات الكلامية التي انتهت بالإنسان الفلسطيني إلى ما انتهى إليه قطاع غزة اليوم من دمار شامل في البنية التحتية، وحصيلة بلغت نحو (50) ألف شهيد، وأضعاف ذلك من المصابين والمعاقين والمفقودين، فأي شخص يرى في ما جرى «نصراً» لفلسطين، حريٌّ بأن يعرض على مشفى نفسي للتأكد من سلامة قواه العقلية، وإن تعذّر ذلك، فلا بأس بعرضه على «راقٍ» يقرأ على سمعه ما تيسر من آيات طرد الشياطين والمردة والعفاريت.
ولست بذاهب في اتجاه تفنيد بعض التصريحات التي نفث بها لسان بعض القياديين والتي لا تخرج في توصيفي من كونها «سطور في فصول مسرحية من فن الكوميديا السوداء من شاكلة القول بأن «ما قامت به نخبة القسام في 7 أكتوبر 2023 من إعجاز وإنجاز عسكري وأمني سيبقى مفخرة لشعبنا ومقاومتنا تتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل، وقد أصابت كيان العدو في مقتل».
ولن تجد لهذا الضرب من الزعم الأجوف تمثيلاً ومقاربة إلا إذا استدعيت مقولات سميح القاسم وحزب الله بأن اتفاق وقف الحرب في غزة يدل على ثبات المقاومة، وأنها أخذت ما تريد، وأن مقاومة حزب الله نصرت غزة فهذا الخيط من ذلك النسيج.
غير أن الأعجب من كل ذلك القول بأن: «الاحتلال لم يتمكن من استعادة أسراه إلا بصفقة مع المقاومة تتضمن وقفاً للحرب والعدوان وتبادلاً مشرّفاً للأسرى».
ولو كانت الأمور بمثل هذا المنطق السقيم، فلينظر إلى عدد الضحايا الفلسطينيين والمعوقين منهم، ويضع ذلك بالمقارنة مع مثيلها في الجانب الإسرائيلي، فضلاً عن وضع قطاع غزة في حالة أشبه ما تكون بـ «الوصاية غير المعلنة» من قبل قوات الاحتلال، وليحكم بعد ذلك إن كان هذا وضعاً «مشرفاً»، يحمل على الحفاوة والابتهاج، والظهور بلا حياء لإعلان نصر متوهم، وإرغام لأنف العدو في وحل الهزيمة النكراء!
على أن خطورة ما جاء الخطاب تكمن في عدم وعي الدرس جيداً، و«الإصرار» على ذات المحركات القديمة التي أنتجت هذه الأزمة، و«التهديد» بها في يوم الهدنة ووقف النار، وكأن مثل هذه الخطابات تدسّ لغماً في جوف الاتفاق، وتضعه في وضع الاهتزاز والنقض في أي لحظة تطرأ، فتمرير خطاب الشكر المفخخ للجهات التي أسهمت في تفاقم هذه الأزمة، إشارة واخزة من جانب، وملغمة من جانب آخر، لا تحمل على توقع أن يستمر وقف إطلاق النار كثيراً طالما لا يزالون يرون في «حزب الله والجماعة الإسلامية في لبنان» نصيرهم وعدّتهم المستقبلية، ويتراحبون في الشكر ليشمل «أنصار الله الحوثيين»، والجماعات الإسلامية في العراق.
والمضحك المبكي أننا نشهد حالة تزييف علني لواقع لم يستمهله التاريخ كثيراً ليكتب سطوره الأولى بتوثيق منضبط، وتقييم حقيقي..
إن هذه «التشكرات» تحمل في طياتها بذور فتنة جديدة، ومرتكزات انطلاقة لـ«حماقة» جديدة وشيكة، وهو أمر لا يتركك رهن فهمك له على التقدير والحدس؛ بل يزيدك فيه كيل بعير بالتصريح الذي لا لبس فيه، ولا مكان وراءه لفهم مغاير بقولهم: «إن كل هؤلاء المجرمين سيلقون جزاء ما قدموا وما فعلوا ولو بعد حين»، مضيفين بالقول: «أسرانا الأبطال على موعد مع فجر الحرية، وإننا سنواصل الاتصال مع بقية الفصائل الفلسطينية لبناء وحدتنا الوطنية وتحقيق دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس.
ليعلم متنفذو «حماس» أن السبيل الوحيد لتحقيق هذه الغاية النبيلة المتمثلة في استعادة دولة فلسطين وعاصمتها القدس، يكون، أول ما يكون، بخلاص فلسطين من أسر «حماس»، وخطابها المخاتل المستورد، وتقدير مصالح الشعب الفلسطيني بعيداً عمّن يتخذه مخلباً، وملفاً يفاوض به العالم لأجل غاياته ومصالحه «الصفوية»، والوعي البصير والمدرك للمتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، والاستفادة القصوى من عوامل الضغط الدبلوماسي العالمي على الكيان الصهيوني، وتجريد قوات الاحتلال من كل المسوغات الأخلاقية التي يمكن أن يتذرّع بها، وفوق ذلك كله الرجوع إلى «المبادرة العربية» التي أطلقتها قيادة المملكة، ففي طواياها يكمن الحل، وعبرها ستسترد فلسطين موقعها العربي، وتتحصّن من غوائل «الأحلام المستوردة»، وتحقق أحلامها بأقل الخسائر الممكنة، في أقصر الآجال المتوقعة. وإن لم تستحِ فقل ما شئت.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.