نظام فاسد دمّر سوريا وقضى على هويتها العربية، حكمها بالحديد والنار وبالأجهزة الأمنية والتعذيب والقتل وقصف المدن، والتهجير والتجويع والطائفية، وكل أنواع البطش والتي لا يمكن أن يتصورها العقل البشري، وامتدت شروره إلى جيرانه فقتل وسجن وأغرق من حوله بالمخدرات والمؤامرات.
هوى وسقط تحت ضربات المقاومة، والباحثين عن الحرية والانعتاق من نيران نظام جثم على صدورهم ردحًا من الزمان ومارس كل صنوف القهر والإذلال، فلم يرحم صغيرًا ولا امرأة ولا شيخًا، فتفرّق السوريون أيدي سبأ فابتلعت البحار والمحيطات الفارين من الأطفال والنساء والعجزة، ومن نجا من سطوة الماء قبع في الملاجئ، والأوطان البديلة، بكل ما في ذلك من ضغوط نفسية، وإحساس فائر بالقهر والمذلة، هربًا من واقع الجحيم الذي صنعه «شبيحة الأسد» ومعاونيهم، من حزب الشيطان والمليشيات والمرتزقة مما جعل من سوريا ساحة مفتوحة لمعركة لا تعرف مُحرّمًا، من غازات سامة، وبراميل متفجرة، وأسلحة محظورة، ومصانع للمخدرات ومراكز توزيعها تم بتدخلات إقليمية ودولية، نظرت إلى مصالحها الخاصة، وأجنداتها العقائدية، ولم تنظر إلى الشعب السوري وتطلعاته وآماله، وتوقه إلى العيش الكريم، لم يترك «الأسد» ونظامه الآفل أي فرصة للتعاطف أو إبداء مشاعر الأسف على ذهابه، بل على العكس من ذلك، رغبة الشعب السوري بعموم ما شاهدنا وتابعنا في وضعه على منصة القضاء، والحكم عليه بما تقتضيه القوانين إزاء ما ارتكب في حق شعبه ووطنه من آثام وجرائم ومخالفات تفوق الوصف، وتنعقد عن الحصر والإحصاء وأعجب العجب أن هذا المآل الذي انتهى إليه نظام الأسد كان أمرًا حتميًا، قياسًا على سيناريوهات مشابهة حلّت بأنظمة مثيلة في المحيط الإقليمي، لكن لم يكن ثمة عقل يدرك، ولا عين تبصر، ولا وعي يضيء العتمة أمام ناظريه، فكانت المحصلة ما نشاهده اليوم ونراه من أعمال دنيئة وأفعال محرمة تأباها النفس السوية، وهروبه المخزي موصومًا بالخزي والعار.
بعيدًا عن هذه الحقبة المنطوية، والنظام الآفل، فإن واقع الحال يفرض على الشعب السوري الشقيق جملة من التحديات الكبيرة، والتي لا سبيل إلى تجاوزها إلا بالوحدة والتعاضد، ونبذ خطاب الطائفية الذي عمّق من مظاهر الفرقة والشتات، والخروج من قبضة الغبن الأعمى المُفضي إلى نزعة الانتقام الماحق، إلى مبدأ المحاسبة المستند إلى القوانين العادلة، تحقيقًا لقيمة «القصاص» بوصفه مرتكزًا مهمًا للحياة لأولي الألباب، متى ما خلصت سوريا المنعتقة إلى هذا المفهوم، واختارت عناصر قيادتها الجديدة بوعي وبصيرة، فإن بشارات الدعم والمساندة ستكون حاضرة لدعمها، وتكفي الإشارة في ذلك إلى موقف المملكة العربية السعودية، الذي أعلنته في بيانها، بالتعبير «عن ارتياحها للخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها لتأمين سلامة الشعب السوري الشقيق»، والتأكيد المبرق والمبشّر بوقوفها إلى جانب الشعب السوري وخياراته في هذه المرحلة المفصلية، ودعوتها الصادقة إلى تضافر الجهود للحفاظ على وحدة سوريا وتلاحم شعبها، بما يحميها من الانزلاق نحو الفوضى والانقسام، وهي إشارة مبشرة يتوجّب على من يتولى شأن الحكم في سوريا مستقبلًا أن يلتقطها، ويدرك الأبعاد المنطوية عليها من تأكيد المملكة لدعم استقرارها وصيانة سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، فضلًا عن قيادة زمام المبادرة بدعوة المجتمع الدولي كافة لمساعدتها في تجاوز محنتها، وهي إشارة بالغة الأهمية كونها تصدر من المملكة بوصفها المرتكز الأساسي في المنطقة بثقلها السياسي إقليميًا وعالميًا، وكلمتها المسموعة والمقدرة في كافة المحافل.
بهذا يكون طريق الخلاص وعودة سوريا إلى الحضن العربي، بعد أن جنح بها مجرم سوريا إلى حضن غريب بعيدًا عن التجاذبات العقدية، والأجندات المفخخة التي أفضت إلى هذا المآل البائس، فإنّ أيّ محاولة لإعادة نفس الخطابات الديماجوجية، والنظريات العصابية التي تتبناها جماعات الهوس الديني، وحركات الإسلام السياسي ستعيد سوريا لا قدر الله إلى حالة من الفوضى والتشرذم، ولن تسلم من حالات مشابهة لأنظمة خاضت تجارب التحرير والانعتاق وانتهت إلى أسوأ مما كانت عليه جرّاء خطابات التشدد، ومغامرات متنطعي الحركات الإسلامية المتطرفة، بما يؤكد وبشكل لا يحتمل اللبس أو التنظير الأجوف أن الإسلام السياسي يوفّر محضنًا لنمو مظاهر القمع النابذ للآخر، والتطرف المفرّق لروح الجماعة.
ومتى ما اقترن هذا بعامل الطائفية، والهشاشة الاجتماعية، وفشوا نوازع الريبة والشك والتخوين بين مكوناته، كان ذلك أشد وقعًا، وأفدح نتيجة، وأعظم خسارة، وهو عين ما أخشاه على سوريا في غدها، برهان على صوت العقل، ويقظة الضمير، وسلامة التوجه في المقاصد.
حمى الله سوريا وشعبها، وأبدلها أعوام خير وبركة بعد زوال الغمة عن أراضيها العزيزة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.