هذا الاستبداد (الطائفي) الغاشم والمهين أدى -بالضرورة- لتذمر واستياء الشعب السوري، ومن ثم ثورته.. لتنضم سوريا إلى موجة الثورات العربية التي بدأت عام 2011م. فشمّر النظام الأسدي ومؤيدوه عن سواعدهم، ووجهوا آلة القتل والتنكيل والتدمير لديهم، المتمثلة في الجيش الطائفي الذي أسسوه، لقتل أبناء الشعب الثائرين والمعارضين لنظام الطاغية الأسد، والمطالبين برحيله. في البدء، كان صراعاً بين شعب أعزل يطالب -سلماً- بحقه في اختيار حكومته، ونظام مستبد.. هيمن على السوريين طويلاً، وسامهم سوء العذاب، وشرد نصفهم، وأضعف حالهم وأنهك بلادهم.
ولكن، سرعان ما تحول ذلك الحدث إلى صراع سوري - إقليمي، عندما تدخلت قوى إقليمية لجانب النظام وأخرى لصالح المعارضة التي تجسدت في البدء في «الائتلاف الوطني السوري»، وما يعرف بـ«الجيش الحر». ثم سرعان ما دخلت قوى عالمية لساحة هذا الصراع... بعضها مع النظام الأسدي (روسيا) وأخرى لجانب المعارضة (أمريكا وحلف ناتو) فتحول ذلك الصراع، الذي بدأ في مدينة «درعا» السورية، إلى صراع سوري - إقليمي - عالمي.
****
صدر الدستور، المعمول به، حتى الآن، يوم 27/2/2012م، ليقيم نظاماً رئاسياً، ديمقراطي المظهر، وديكتاتوري المخبر؛ إذ يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة، عبر مجلس وزراء يعينه هو، مكنه من الاستبداد بشعبه وقمعه، والتلاعب بمصيره، ونهب ثرواته. أما السلطة التشريعية، فهي، شكلياً، في يد مجلس الشعب، المكون من 250 عضواً منتخباً، لمدة خمس سنوات. وتتولى المحكمة الدستورية العليا السلطة القضائية في البلاد.
وبعد 13 سنة من مقاومة نظام بشار الأسد الجائر، تمكنت قوى المقاومة من دحر هذا النظام الفاشي، والاستيلاء على السلطة، وإعادتها إلى الشعب السوري، بعد أن اغتصبها الطغاة؛ آل الأسد. ودخلت سوريا، كما يحصل دائماً في حالتها، في نفق شبه مظلم، لا يعرف المراقبون بالضبط كيف ومتى ستخرج منه، وتعود معافاة، وفي وضع أفضل مما كانت عليه. إن السبب الأول لهذا الاضطراب الكارثي الذي لحق بالشام، هو الديكتاتورية القمعية الإجرامية، التي جثمت على صدور السوريين حوالى نصف قرن. فقاسى منها الشعب السوري الأمرين. فحتى نهاية سنة 2024م، قدر عدد القتلى، في هذه الحرب الأهلية السورية، بحوالى مليون شخص، منهم أطفال ونساء. وهناك ملايين فروا وشردوا من منازلهم، قدر عددهم بحوالى 11 مليون نسمة، أي حوالى نصف السكان. هذا، إضافة إلى تدمير أجزاء هامة من البنية التحتية السورية.
يصف علماء السياسة الأخطاء والخطايا التي ترتكبها الديكتاتورية القمعية، في حق شعبها وأمتها، دائماً، بأنها تتلخص في أربع خطايا: الاستيلاء على السلطة بطريق غير مشروع، الحكم لمصلحة الديكتاتور ومن معه، احتكار وسائل الإكراه واختصار الدولة في شخصه، صعوبة إزاحة الطغاة، فدون إزاحتهم خرط القتاد، وحروب شعواء. وكل هذه الخطايا ارتكبتها أسرة الأسد، وزادت عليها. فلا يوجد، في هذا العصر، من فعل فعلهم، وأجرم إجرامهم. وكانت الضحية هي الشعب السوري.
****
وللمرة الألف، تثبت إسرائيل أنها عدو متربص لسوريا، ولكل العرب. فقد استغل التحالف الصهيوني- الاستعماري فرصة انشغال سوريا في أمورها، وسقوط النظام الأسدي، فقامت إسرائيل بشن هجوم عسكري كاسح على الجيش السوري، بمختلف وحداته، مما أدى إلى تدمير حوالى 80% من هذا الجيش وعتاده.
ويجب ألا ننسى ما يفعله التحالف الصهيوني- الاستعماري بالمنطقة، وما تقوم إسرائيل به من مؤامرات وأعمال تخريبية، وارهابية، ضد الفلسطينيين، وضد العرب، بصفة عامة. فمنذ أن زرع هذا الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي، والمنطقة في اضطراب وقلاقل. ويكفي أن نذكر هنا أن معظم ما يجري بهذه المنطقة من مآسٍ كان الكيان الصهيوني وراءها، مباشرة أو غير مباشرة.
قال ديفيد بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، ذات مرة: «لا يمكن ضمان أمن إسرائيل إلا بعد إضعاف، أو تدمير، عدة دول مجاورة لها، في مقدمتها: العراق، سوريا، مصر». وها قد تم تدمير العراق وتدمير سوريا، وقد يأتي الدور على آخرين قريباً.
****
والواقع، أن سوريا الآن في أمس الحاجة إلى أمرين أساسيين، هما:
- توحيد البلاد، وتصفية الميليشيات المختلفة. وتحول أغلبها الى أحزاب سياسية عادية. مع ضم بعض ميليشياتها إلى الجيش النظامي السوري.
- إقامة نظام سياسي حديث، يمثل بالفعل، الشعب السوري الذي يستحق أن يدار بالأسلوب الديمقراطي.
وهنا يتوجب عقد مؤتمر مصالحة وطنية موسع، وصياغة دستور جديد للبلاد، يطرح في استفتاء عام على الشعب السوري؛ لإقراره أو تعديله. ولا يتوقع أن تمر الفترة الانتقالية بسهولة؛ بسبب تعدد فئات الشعب السوري، ومرور حوالى نصف قرن من الكبت والاستبداد، والتدخلات الأجنبية النشطة. ومواضيع الفترة الانتقالية هامة، تستحق التطرق إليها لاحقاً.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.