الارشيف / السعودية / عكاظ

من مهزلة تكفير المسبل إلى مهزلة الهالوين ..!

كلاهما مهزلة، الأولى محلية اصطنعها المتنطعون المتاجرون بالإسلام، والثانية استوردها الجهلة المتنكرون لهويات وطنهم ومواطنيهم الحضارية والدينية. إنني لا أعرف أمة ذات حضارة اعتبارية عريقة تحتفل بأعياد غيرها (وخصوصاً الدينية) غير المجموعة العربية بأغلبيتها المسلمة ومذاهبها المتعددة.

ربما أن العدد المحدود للاحتفالات السنوية في الإسلام هو الذي فتح الأبواب لاحتفالات مستوردة من ديانات أخرى. لا شك (وهذا مجرد مثال لاحتفال اعتباري متكرر)، أن مهرجانات عاشوراء التي يصاحبها التمثيل بالجسد كممارسة تعبدية ليست من الإسلام بكل مذاهبه في شيء. هي اقتباس طقوسي من رمزيات درب الآلام التي مارستها طائفة مسيحية مغالية قديمة، ثم اعتبرت هرطقة عند الأصوليين المسيحيين وتوقفت كمناسبة احتفالية منذ قرون.

لم يكن في ذاكرة مجتمعنا القديم في الجزيرة العربية ما يمكن اعتباره مناسبة احتفالية سنوية غير دينية مصحوبة بمظاهر الابتهاج العلنية غير بعض المناسبات الشعبية التشاركية مثل الاحتفال بالقرقيعان وبعودة الحجاج سالمين مأجورين. مع استقرار وازدهار الدولة المدنية الحديثة أضيفت الاحتفالات بالأعياد الوطنية. المؤكد أن احتفالات أعياد الكريسماس ورأس السنة الميلادية وما دخل علينا أخيراً من المظاهر الكرنفالية بعيد عشية القديسين للتنكر وخداع الأرواح الخبيثة (الهالوين) لا تمت لكافة هوياتنا الدينية والحضارية بأي صلة أو تبرير معقول مقبول.

الخلطة المضحكة المبكية لأعياد مستوردة من الغرب المسيحي (وتحديداً من الولايات المتحدة الأمريكية) تحمل دلالة لا تخفى على عقل وضمير المستوعب لأصول حضارته على الاستلاب والتبعية وعقدة دفينة يعاني منها الجهلة ومحدثو النعمة اسمها متلازمة الشعور بالنقص والدونية (Inferiority Complex Syndrome).

ثلاثون أو أربعون عاماً من المعاناة الاستلابية المحلية المفروضة على مجتمعنا بتسلط متنطعين جهلة أجلاف ومتاجرين بالدين لم نتبعها عن قناعة تثقيفية شاملة بالتصحيح المناسب والعودة إلى الذات، وأهم تساؤلاتها هي من نحن وماذا نريد أن نكون أمام الآخرين؟ لم يتم ذلك، لا وبل بسبب الحنق على طغيان غلاتنا الصحويين انفتحنا على رمزيات احتفالية مثل الهالوين بأصولها الكلتية البدائية الوثنية المغلفة بالتبشير النصراني الأمريكي.

عيد عشية القديسين المسمى الهالوين يعتبره الأصوليون المسيحيون المخلصون لدينهم هرطقة وثنية لا يصح الاحتفال بها. الغلبة كالعادة كانت للمردود التجاري المالي الهائل لتسويق الهالوين ولبرمجة المواطن عندهم على الاستهلاك العبثي وعدم الانتباه لما تفعله به نخب الدولة العميقة، ومنها الزج به في الحروب والغزوات وتدمير الشعوب ونهبها، وممارسات مؤسسات رؤوس الأموال الفاجرة بالجيوب والعقول.

قد يعلل البعض عندنا أن استيرادنا العشوائي لبعض الاحتفالات من حضارات أخرى من متوجبات الانفتاح على العالم والتعايش، ولكن أليست تلك دلالة على الشعور بالدونية واحتقار الذات وضمور الإبداع على الابتهاج الذاتي؟ لا أجد بأساً في أن يحتفل من يريد بأعياد ميلاد أطفاله وأولاده بعد أن أصبحت التواريخ محددة في السجل السكاني، أو الاحتفال بفصل الربيع ومواسم الأمطار وصيد أسماك الحريد والأسماك المهاجرة وما يشبهها من المناسبات المحلية البهيجة، ولكن أن نقفز دون تفكير من مراحل تكفير المواطن بسبب طول ثوبه أو المواطنة بسبب أناقة عباءتها، إلى مرحلة الاحتفال بمساخر أعياد الآخرين مثل الهالوين والكريسماس، فتلك الأولى كانت مهزلة تزمت صحوية، وهذه الثانية مهزلة مهينة لكل ما ننتمي إليه من الهويات الحضارية الأصلية.

خاتمة: هل فكر أحد أن طفل ومراهق اليوم قد يسجل في ذاكرته اللاحقة أن الكريسماس والهالوين من الأعياد الإسلامية التراثية؟


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا