الارشيف / السعودية / عكاظ

الأمم المتحدة... ما يستقيم الظل والعود به عوج

١٨ أكتوبر ٢٠١٣ اعتذرت المملكة العربية السعودية عن شغل مقعد عضو غير دائم بمجلس الأمن، بخطوة غير مسبوقة في تاريخ الأمم المتحدة. وأوضح بيان الخارجية السعودية بهذا الشأن «أن أسلوب وآليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيامه بأداء واجباته وتحمل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم العالميين على النحو المطلوب، الأمر الذي أدى إلى استمرار اضطراب الأمن والسلام واتساع رقعة مظالم الشعوب واغتصاب الحقوق وانتشار النزاعات والحروب في أنحاء العالم». «وبناء على ذلك فإن المملكة انطلاقاً من مسؤولياتها التاريخية تجاه شعبها وأمتها العربية والإسلامية وتجاه الشعوب المحبة والمتطلعة للسلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم، لا يسعها إلا أن تعلن عن اعتذارها عن قبول عضوية مجلس الأمن حتى يتم إصلاحه وتمكينه فعلياً وعملياً من أداء واجباته وتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين».

وأرادت المملكة بذلك الاعتذار توجيه رسالة للقوى العظمى تحديداً بضرورة إصلاح الأمم المتحدة، لكي لا تنهار كسابقتها (عصبة الأمم). وأيضاً التعبير عن الإحباط العربي والإسلامي من أداء مجلس الأمن المتحيز ضد قضاياه، والذي نبه إليه الأمير الراحل سعود الفيصل، رحمه الله، بكلمته أمام مجلس الأمن يناير ٢٠٠٨، أثناء الاجتماع الرفيع المستوى للمجلس لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قائلاً «إن عدم معالجة مجلس الأمن للقضايا العربية المشروعة بالجدية والمسؤولية ستدفع العرب بأن يجدوا أنفسهم مرغمين على إدارة ظهورهم له والنظر في أي خيارات تطرح نفسها».

فمجلس الأمن الذي يتوجب عليه العدالة وعدم التحيز بتعامله مع قضايا ونزاعات الشعوب، والابتعاد عن ازدواجية المعايير، لم يكن كذلك. وإحصائيات الأمم المتحدة لاستخدامات حق النقض (الفيتو) تثبت تحيزه الفاضح ضد القضايا العربية والإسلامية، حيث:

• أعاقت الدول الدائمة العضوية عمل المجلس ٢٩٢ مرة منذ تأسيسه عام ١٩٤٥ وحتى عام ٢٠٢٠، باستخدامها (الفيتو) لمنع إقرار أي مشروع لا يناسب توجهاتها ومصالحها.

• أمريكا وحلفاؤها الغربيون استخدموا (الفيتو) ١٣٣ مرة. فأمريكا استخدمته ٨٣ مرة (أكثر من نصفها ضد القضية الفلسطينية)، بريطانيا ٣٢ مرة (كان أولها ١٩٥٦ خلال أزمة قناة السويس)، وفرنسا ١٨ مرة.

• أمريكا تعد الأكثر استخداماً للفيتو منذ عام ١٩٧٠، ومعظمها كانت لدعم إسرائيل على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

• الاتحاد السوفيتي، ثم روسيا استخدمت (الفيتو) ١٤٣ مرة. ومنذ عام ٢٠١١ استخدمت (الفيتو) ١٩ مرة (١٤ مرة منها كانت بخصوص سوريا).

• الصين استخدمت (الفيتو) ١٦ مرة، وكان ٨ من ٩ استخدامات منذ عام ٢٠١١ تتعلق بسوريا وفنزويلا.

ولذلك طالب الشرفاء، كالمملكة، بضرورة إصلاح هيكل منظمة الأمم المتحدة. وتغافلت القوى العظمى عن تلك المطالب ولم تعرها الاهتمام الوافي. وبعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية العام الماضي، وتأثر مصالح الرجل الغربي الأبيض، أصبحنا نسمع مؤخراً نغمات الدعوات من أمريكا والغرب، تنادي بضرورة الإصلاح وتعديل نظام استخدام حق النقض (الفيتو)، وهو دلالة أخرى على ازدواجية المعايير لدى القوى العظمى.

حيث نجد الرئيس الأمريكي بايدن يقول في خطابه أمام الدورة ٧٧ للجمعية العامة للأمم المتحدة ٢١ سبتمبر ٢٠٢٢: «يتعرض ميثاق الأمم المتحدة لهجمات من هؤلاء الذين يسعون إلى تدميره لخدمة مصالحهم السياسية، والوقت قد حان لكي تصبح الأمم المتحدة أكثر شمولاً لتتمكن من الاستجابة بشكل أفضل لاحتياجات عالم اليوم، ويجب على أعضاء مجلس الأمن، بما في ذلك أمريكا، الامتناع عن استخدام حق النقض (الفيتو) إلا في حالات محدودة وغير عادية لضمان بقاء فعالية وموثوقية المجلس».

وهذا الطرح الأمريكي الجديد يكتنفه غموض وتساؤلات عديدة، أهمها:

هل يعقل أن تتنازل القوى العظمى، وتمتنع عن استخدام (الفيتو)؟

هل الدعوة الأمريكية صادقة؟ أم أنها مناورة تمهد لاستبعاد روسيا، وربما بعد ذلك الصين، من العضوية الدائمة لمجلس الأمن؟

ما هي النتائج المترتبة؟ وهل سيؤدي الأمر لهيمنة غربية أقوى على مجلس الأمن؟

هل ستنسحب روسيا والصين من الأمم المتحدة؟

هل سيعيد لنا التاريخ نفسه، ونشهد نشوب حرب عالمية جديدة، كما حدث بعد انسحاب اليابان وألمانيا وإيطاليا من عصبة الأمم القرن الماضي؟

وأيا كانت الإجابات، فالمتغيرات المطروحة على الساحة الدولية ودروس التاريخ، تحتم على دولنا العربية والإسلامية بلورة إستراتيجيات للتعامل مع كافة الظروف، وتأخذ باعتبارها ضرورة الأمور التالية:

1 ـ إدراك أن لا تنمية بدون أمن، ولا أمن بدون تنمية.

2 ـ توثيق عرى اللحمة الوطنية، والتشبث القوي بالثوابت الدينية والاجتماعية والثقافية التي ساهمت في تشكيل الشعوب.

3 ـ تكثيف مساعي التنسيق والتعاون الثنائي مع الأشقاء والأصدقاء.

4 ـ دعم خطط ونشاطات المنظمات والتكتلات الإقليمية.

5 ـ الالتزام التام بسياسة عدم الانحياز في نزاعات القوى العظمى.

خاتمة: من أقوال الشاعر الهاب بدر:

ما يستقيم الظل والعود به عوج

الشمس تظهر كل ما كان خافي

يمحي كلام البارحة صبح مبلوج

لا صار من قاله ما هو معك صافي.


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا