الارشيف / السعودية / عكاظ

مستنقع الحرب القادمة

انطلقت شرارة الحرب العالمية الثانية بعد أن أقدم الجيش الألماني بزعامة هتلر على غزو بولندا واحتلال ممر دانزيغ الذي قسّم ألمانيا إلى قسمين، واقتطع منها بموجب معاهدة فرساي تلك المعاهدة التي أنهت الحرب العالمية الأولى، ووضع الفرنسيون الكثير من بنودها لإذلال ألمانيا، وهي أيضاً المعاهدة التي حجّمت دور الجيش الألماني وحددت عدده، بحيث لا يتجاوز مئة ألف مقاتل كحد أقصى، إضافة إلى إجبار ألمانيا على عدم تطوير قدراتها الدفاعية والقتالية من آليات ومعدات، وقد قبل الألمان تلك الشروط المجحفة على مضض، غير أن الشعور بالظلم الفادح كان أشبه بالنار التي تغلي في عروق كل مواطن ألماني، ويعتقد الكثير من المحللين التاريخيين أن توقيع المعاهدة لم يكن ليعني انتهاء الحرب العالمية الأولى، ولكنه كان بمثابة نذير يوحي بانطلاق حرب أخرى جديدة أشد فتكاً وتدميراً، وهو ما حصل فعلاً.

بدأت الحرب العالمية الثانية بغزو سوفييتي وألماني لبولندا، وعلى الرغم من تحذير بريطانيا وفرنسا وقتئذٍ لألمانيا بعدم غزو بولندا، إلا أن هتلر استبعد دخول الدولتين الحرب متعجباً ممن يرغب في خوض مستنقع الحرب من أجل دولة مثل بولندا، إضافة إلى ذلك فإن العديد من التقارير الاستخباراتية قد وردت للزعيم النازي وكانت تفيد باستبعاد دخول بريطانيا وفرنسا الحرب، لكن توقعات هتلر وقادته باءت بالفشل وأعلنت الدولتان الحرب على ألمانيا.

صدم هتلر بعد إعلان بريطانيا وفرنسا الحرب، لكن قوة آلته العسكرية وتعداد جيشه دفعاه للاستخفاف بالدولتين، وهو ما فتح شهيته على الحرب أكثر فأكثر، وقد اجتاحت جيوش هتلر بلجيكا وفرنسا وقامت بابتلاعهما بعد استسلامهما مما أذكى غرور الزعيم النازي ودفعه إلى اجتياح المزيد من الدول الأوروبية، وقد سعى لتحويل كافة خطوط الإنتاج العسكرية بالمصانع الحربية بالدول التي تم الاستيلاء عليها وقتذاك لصالح جيشه، ولوهلة من الزمن بدا وكأنه لا شيء سيوقف طموحات الفوهرر العنيد.

بعد اجتياح فرنسا واستيلاء هتلر عليها توجه صوب بريطانيا، حيث قام بضرب المدن البريطانية، مما أحدث دماراً غير متوقع بها، خاصة بعد أن تحالف هتلر مع صديقه الفاشي موسوليني لاقتسام ما تبقى من أوروبا، ومن المسّلم به تاريخياً أن هتلر وموسوليني يتشاركان النزعة العدائية تجاه الدول الأخرى، وقد سخّرا جيوشهما لتحقيق أطماعهما العسكرية الإجرامية، الأمر الذي دفعهما بحماقة لاجتياح وغزو الاتحاد السوفييتي.

في بداية الحرب أعلنت الولايات المتحدة -على لسان رئيسها روزفلت- أن أمريكا ستلتزم بالحياد مع حرصها على استتباب الأمن في القارة الأوروبية من خلال وقف الحروب العدائية بين دولها، لكن يبدو أن اليابان أرادت تقسيم شرق آسيا لصالحها وإنهاء نفوذ بريطانيا والولايات المتحدة في تلك المنطقة، فدخلت الحرب ضد أمريكا وقامت بتدمير الأسطول الأمريكي في ميناء بيرل هاربر في هاواي، وقد قتل جراء تلك الانفجارات ما يزيد على ألفي جندي وضابط أمريكي، كما تم تدمير العديد من القواعد العسكرية والمدمرات الحربية.

لم تجد الولايات المتحدة مفراً من أن تعلن الحرب على دول المحور، الأمر الذي أثلج صدور السوفييت وبريطانيا، وأعلن تشرشل بحفاوة حينذاك أن حليفهم القوي روزفلت سيقف إلى جانبهم، وكان من الضروري لحفظ السلام الدولي وقتذاك إعلان الحرب على دول المحور وهي ألمانيا وإيطاليا واليابان، وتوالت انتصارات الحلفاء بعد هزيمة إيطاليا، ثم تبعتها ألمانيا حتى انتهى الأمر بهزيمة واستسلام اليابان، وقد تم تدمير تلك الدول تدميراً وصل إلى حد استخدام السلاح النووي في تلك المعارك وهو ما حدث في اليابان.

الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا مؤخراً أثارت المخاوف من اندلاع حرب عالمية جديدة خاصة بعد تطور صناعة الأسلحة وخاصة أسلحة الدمار الشامل التي تملك مفاتيحها الولايات المتحدة وروسيا، ومن الواضح جلياً أن أوروبا والولايات المتحدة لا ترغبان في تكرار أخطاء الماضي الأليم، فتلك الدول تعلم أن الاصطدام بدولة مثل روسيا قد يدفع الأخيرة إلى ارتكاب حماقات عظمى بذريعة حماية أمنها الوطني، ولكن يبدو أن الحرب على روسيا لن تكون إلا حرباً اقتصادية لتضييق الخناق على موسكو ودفعها لإيقاف الحرب.

يردد البعض أن دول الشرق الأوسط وأفريقيا بعيدة جغرافياً عن مدار الحرب الروسية الأوكرانية، لكن الحقيقة أنه في الحروب العالمية الشرسة لا يوجد ما يسمى بحروب قريبة أو حروب بعيدة، فابتعاد الحرب عن المناطق الجغرافية لدول أخرى لا يعني أنه لن تطالها خسائر الحروب، فالحروب العالمية ستؤثر كثيراً على أسواق المال وأسواق النفط وغيرهما مما يعني أن العالم سيعيش على صفيح ساخن لفترة لا يعلم مداها إلا الله، ولا يمكن التنبؤ بعواقب تلك الأزمات الكارثية ببساطة، أضف إلى ذلك أن اشتعال الصراع بين القوى العظمى سيدفع دولاً أخرى إلى التمادي في سياساتها العدوانية لتحقيق طموحاتها الجغرافية في ذروة انشغال الدول العظمى بحروبها، كما أن التكاليف الاقتصادية للحروب بين الدول المتحاربة قد تدفع فاتورتها أيضاً الدول الأخرى حتى وإن بعدت عنها الحرب.

يجب أن يتذكر سياسيو العالم أن فاتورة الحرب العالمية الثانية لم تكن فقط في البنى التحتية التي دمرت غالبية دول أوروبا وشرق آسيا، بل كانت خسائر بشرية جسيمة تجاوز عدد قتلاها الثمانين مليون نسمة، وهو ما يدفعنا إلى ضرورة التريث وعدم الاندفاع في الانسياق لأي حرب قد تكون عواقبها مستقبلاً أشد مما مضى.


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا