ودَّع المشهد الثقافي السعودي اليوم قامة من قاماته الفنية، أحد أوائل من نقشوا بصماتهم في الدراما السعودية، الفنان الكبير محمد الطويان، الذي أغمض عينيه عن الدنيا عن عمر ناهز الثمانين، لكنه أبى إلا أن يظل حيًا في المشهد الذي لطالما عشق تفاصيله.
رحل الطويان، كما يرحل العظماء، بهدوء يشبه عُمق أدواره، وعمق رحلته الفنية التي لم تكن مجرد عبور عابر على شاشة، بل كانت تجربة متكاملة، ودرسًا ممتدًا في الصدق الفني. كأنما قرر أن يلتحق برفيقه الراحل محمد العلي بعد 23 عاما على موته، وكأن اللقاء المؤجل بينهما قد آن أوانه، ليعودا معًا إلى مشهد لم يُكتب بعد، في بعد آخر، وزمن آخر.
ولد محمد الطويان عام 1945 في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، في بيت يعرف معنى الجمال والتجارة، فوالده كان تاجرًا ناجحًا، وأتاح له فرصة أن يطوف خارج حدود الوطن ليكتسب علماً وفكراً وتجربة مختلفة. درس في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك نهل من منابع الفنون والمعرفة، وعاد ليكون من أوائل من حملوا راية الدراما السعودية في بداياتها، حين كانت الكاميرا لا تزال تخطو خطواتها الأولى في البلاد.
لم يكن الطويان ممثلًا فقط، بل كان مؤلفًا، فنانًا تشكيليًا، ومثقفًا يرى في الفن رسالة عميقة أكثر من كونه مجرد أداء. في كل دورٍ أدّاه، كان يحمل في صوته، في ملامحه، وفي حضوره، تجربة عمرٍ من التأمل والتفكر، يسكبها على الشاشة بحرفية نادرة.
منذ بداياته في الأعمال التلفزيونية، كان الطويان حاضرًا بروح المدرسة التمثيلية العتيقة، حيث يتماهى الممثل مع الشخصية حتى يكاد يصبح هو نفسه. عبر مسيرته، قدّم أعمالًا حفرت مكانها في ذاكرة المشاهد السعودي والخليجي، فكان جزءًا من الموجة الأولى للدراما المحلية، التي رسّخت وجودها، وساهمت في تشكيل هوية المشهد التلفزيوني.
تنوعت أدواره بين الأب، والمثقف، والمسؤول، والصديق، لكنه في كل مرة كان يعيد تعريف الشخصية بأسلوبه الخاص، لا يكرر نفسه، بل يمنح كل شخصية روحًا مستقلة. كان ممثلًا لا يؤدي فحسب، بل يعيش الدور حتى يكاد يقنعك أنه حقيقة.
اليوم، ينضم محمد الطويان إلى قائمة الأسماء التي لا تغيب، تمامًا كما لم يغب محمد العلي، وبكر الشدي وعبدالعزيز الحماد ومحمد حمزة، ورفاق دربه الذين جعلوا من الدراما السعودية ذاكرة حية تعبر الأجيال. يرحل الجسد، لكن صوته سيبقى، وستظل أعماله شاهدة على رجل سبق زمنه، ورأى في الفن أكثر من مجرد مهنة، بل حياة أخرى كان يسكنها ويمنحها روحه.
محمد الطويان، ليس مجرد اسمٍ في تترات قديمة، بل هو ذاكرة بصرية وصوتية، ستظل تتكرر في ليالي المشاهدين.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.