فن / عكاظ

الموؤودة

كبرت هنوف وأضحت شابة في الخامسة عشرة، لم تعد تسمح لها أمها بالخروج من البيت، ولم تعد ترافق صبايا إلى الأعراس، ولا لزيارة أقاربها حتى في أيام الأعياد تخشى عليها أمها من عيون الحاسدين، ولقد أصبحت مضرب الأمثال في جمالها وأدبها...

ابن خالها يحوم حولها، لكنه لا يجرؤ على خطبتها، كيف سيتخطى الأسلاك الشائكة التي سورها بها ابن عمها؟ شباب القرية كلهم يتهامسون باسمها، لكنهم يدركون استحالة الاقتران بها.

ينتظر ابن عمها طلال بفارغ الصبر تشييد بيته في موقع مرتفع يطل على القرية، يذهب كل صباح إليه يتفقد حركة البناء وما يتبعها، الكل يحسدونه، على البيت الجميل الذي سيكون مميزاً عن كل بيوت القرية، وعلى عروس هي الأجمل والأبهى بين قريناتها، وعلى حاله الميسورة، فهو يملك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والأغنام، نسي أهالي القرية اسمه الحقيقي إذ غلب عليه لقب المحظوظ.

مرضت هنوف، رقدت في الفراش بضعة أيام، شكت الأم مرضها إلى نساء القرية، الكل أجمعن على أنها أصيبت بنظرة شريرة أرسل في طلب الحكيمة أم علي، فهي التي تتولى الولادات في القرية، وتعالج الوالدة والمولود، وتصف الأعشاب للمرضى، ولا تتوانى عن تقديم النصائح والمشورات، الحلول لديها جاهزة لكل أمر يستعصي حله، شمرت أم علي عن ساعديها، تأملت هنوف وأعطت تقريرها الطبي بأن الصبية أصابتها عين حاسدة، وستبقى تعاني طيلة حياتها طالما وهبها الله كل هذا الجمال.

وأردفت: الحل عندي، فأحضرت غربالاً، أمرت إحدى النسوة أن تمسكه فوق رأس هنوف، ثم قامت بإذابة مادة الرصاص في وعاء معدني، وبعد أن سكبته في صحن مملوء بالماء، التقطته وبدأت تقرأ معالم الرصاص المتهيكل على أشكال لا يعرف سر تشكلها غيرها، ثم تمتمت ببعض الكلمات، ودثرت هنوف بغطاء سميك، وأمرت أن تبقى في فراشها حتى تتعرق، قائلة:

ستزول أعراض الوهن عنها بعد التعرق بإذن الله.

ظلت أم هنوف تراقب ابنتها، لكنها لم تلاحظ أي تحسن في حالتها.

دهم قلب الأم حزن شديد حين أفاقت صباحاً وحاولت أن توقظ ابنتها، تجمدت أوصالها إذ ألفت وجهها كالزعفران، وجسدها بارداً وعينيها مسبلتين.. صرخت الأم، أغمي عليها فوقعت على جثة ابنتها الهامدة، اجتمعت القرية بأكملها نساء ورجالاً.. اشتد عويل النساء، هرعت بعضهن لتجهيز الماء الساخن، غسلت هنوف، وكفنت، ودفنت بعد الظهر وسط وجوم وحزن أهل القرية.

الكل أصيبوا بصدمة بالغة المدى، لكن الراعي عمر كان أشدهم حزناً، إذ جاء بأغنامه وتركها تسرح في المقبرة بينما قرر المبيت قرب قبر هنوف، بكى عليها بمرارة، بدأ يلف ويدور حول القبر، قائلاً:

الكل كان يتمنى أن تكوني زوجاً له، وحين اختطفك الموت تركوك وحيدة، لكنني سأظل حولك، لن أتركك حتى آخر لحظة من عمري، أعياه الحزن، فأسند رأسه على حجرة وضعت كشاهدة عند القبر، بعد لحظات أصغى لصيحات كأنها تتناهى إليه من قعر بئر. تلفت حوله، أحسّ بالرعب، بدأ يلف ويدور حول القبر، ألصق رأسه بكل جهاته ما زال الصراخ مسموعاً لديه بوضوح، فرّ عائداً إلى أهله، أخبر والده بالنبأ، لكن والده نهره وأمره بالرجوع إلى أغنامه قبل أن تشرد عنه، أقسم لوالده بأغلظ الأيمان، لكن والده لم يصدقه، عاد واتكأ على شاهدة القبر، بين لحظة وأخرى ظل الصوت يتقطع حتى اختفى عنه في أواخر الليل وبداية الفجر، إذ دهمه النوم وأعياه الحزن فغطّ لساعات من فجر اليوم التالي.

بدأ عمر يحدث كل من يصادفه عن أمر الصراخ الذي أرعبه ليلة دفن هنوف، بدأ الناس يتهامسون، وصل الخبر إلى والد هنوف، اختلجت أوصاله، واختنق بالعبرات أرسل في طلب المرأة التي غسلت هنوف وأشرفت على تكفينها، وبعد أن طرح الأسئلة عليها أفادته بالآتي:

- وا حسرتاه على هنوف، لقد كانت خجولاً ومهذبة حتى وهي ميتة.

- كيف. أرجو أن تصفي لي حالها؟

- لقد حركت يديها ووضعتهما على صدرها، فأبكتني وأبكت كل النساء اللواتي كن يساعدن في غسلها.

سقط الأب على الأرض مغشيّاً عليه، وحين أفاق من غيبوبته، أمر أولاده، وإخوانه بفتح قبر هنوف، وحين كشفوا اللحد عنها وجدوها جالسة، محنطة في كفنها وساقيتان من الدماء تجمدتا عند فتحتي أنفها، وفمها دائرة ومنجم ذهول تحجرت فيه صرخات واستغاثات لم يكن أحد يصغي إليها ليسعفها سوى الموت.


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا