تمر الشعوب التي تشهد تحولات سياسية كبرى بمراحل دقيقة تحتاج خلالها إلى إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية لضمان استقرار الدولة وتحقيق احتكارها الشرعي للقوة، تجارب عديدة من دول مختلفة مثل إسبانيا بعد الحرب الأهلية، ورواندا عقب الإبادة الجماعية، وليبيا في مرحلة ما بعد الثورة، تشير إلى أن إعادة بناء القوات المسلحة عملية صعبة محفوفة بالتحديات.
في هذا السياق، يأتي الحديث عن سوريا التي شهدت حربًا مدمرة لأكثر من عقد، ليتساءل المراقبون: هل يمكن للسوريين النجاح في بناء جيش وطني جديد، خاصة بعد أن تم تدمير جميع المعدات العسكرية وتفكيك البنية البشرية، أم أن التحديات الراهنة قد تعوق هذا المشروع الطموح؟
اجتماع الفصائل وبداية مشروع إعادة البناء
في خطوة وصفت بالاستثنائية، اجتمعت الفصائل السورية المسلحة داخل أحد القصور الرئاسية في دمشق يوم 21 ديسمبر الجاري، لبحث مبادرة الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع لتأسيس جيش وطني جديد.
ووفق ما أعلنته الإدارة، فقد وافقت الفصائل الحاضرة على حل نفسها والانخراط في إطار وزارة الدفاع التي يجري تشكيلها.
هذا الاجتماع حمل أبعادًا رمزية وسياسية مهمة. فمن جهة، أظهر رغبة الأطراف المتصارعة في وضع حد للانقسامات العسكرية، ومن جهة أخرى، قدم رؤية واضحة لإعادة بناء المؤسسة العسكرية السورية على أسس جديدة.
أحمد الشرع، الذي قاد المبادرة، أكد في تصريحات صحفية أن مشروع بناء الجيش الجديد ليس مجرد خطوة تنظيمية، بل جزء من استراتيجية شاملة لإعادة الاستقرار إلى سوريا، موضحًا أن "منطق الدولة يختلف عن منطق الثورة"، في إشارة إلى ضرورة وضع جميع الفصائل تحت سيطرة الدولة.
تعيينات مثيرة للجدل ورسائل قوية
في إطار خطواته نحو تأسيس الجيش الجديد، أعلن الشرع عن تعيين المهندس مرهف أبو قصرة، الذي كان يشغل سابقًا منصب القائد العام للجناح العسكري لهيئة تحرير الشام، وزيرًا للدفاع. هذا التعيين أثار العديد من التساؤلات والجدل، لكنه حمل رسائل واضحة.
فمن جهة، أوضح أن القرارات السيادية ستكون حكرًا على الدولة دون تدخل الفصائل. ومن جهة أخرى، عكس جدية الإدارة في فرض واقع جديد يضمن توحيد القوة العسكرية تحت مظلة قانونية واحدة.
تحديات الدمج والانقسامات الداخلية
رغم حضور قادة بارزين من الفصائل المسلحة في الشمال والجنوب السوري، مثل "فرقة المعتصم" و"جيش الإسلام"، إلا أن الغياب اللافت لبعض الشخصيات والفصائل المؤثرة يعكس تحديات جمة.
فقد غابت فصائل الجيش الوطني المدعومة من تركيا، وكذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسيطر على مساحات واسعة في شرق البلاد.
هذه الغيابات تُبرز الانقسامات العميقة بين الفصائل المسلحة التي تختلف في مرجعياتها الأيديولوجية وارتباطاتها الإقليمية والدولية.
فبينما تعتمد بعض الفصائل على الدعم التركي، ترتبط أخرى بالولايات المتحدة، مما يجعل تحقيق الدمج الكامل هدفًا صعب المنال.
التجارب السابقة ودروسها
تاريخيًا، أثبت أحمد الشرع قدرة على إدارة الأزمات وفرض سيطرته، كما ظهر في تجربة غرفة عمليات "الفتح المبين" في الشمال السوري.
لكنه أيضًا واجه اتهامات من بعض الفصائل بالسعي للهيمنة واستخدام القوة لتحقيق أهدافه.
على سبيل المثال، خاضت هيئة تحرير الشام بقيادة الشرع صراعات دموية مع فصائل مثل حركة أحرار الشام، ما يعكس الصعوبات التي واجهتها محاولات توحيد الفصائل.
ورغم هذه الانتقادات، يظهر الشرع كشخصية براغماتية قادرة على التكيف مع المتغيرات.
ففي أزمة إدلب عام 2023، أعلن عن وثيقة إصلاحات جديدة واستعد للتنازل عن القيادة، مما ساهم في احتواء احتجاجات كادت أن تهدد استقرار المناطق المحررة.
العقبات الأمنية والبنية الهيكلية
إعادة بناء الجيش السوري تواجه تحديات أمنية كبيرة، تتضمن خطر نشوء خلايا أمنية وتحالفات مضادة قد تسعى لعرقلة الاستقرار.
كما يتطلب المشروع بناء عقيدة عسكرية موحدة تُنهي الانقسامات الأيديولوجية بين الفصائل.
هذه العملية تحتاج إلى وقت طويل وتنسيق مستمر بين القيادة السياسية والعسكرية لحل الخلافات حول المواقع القيادية وآليات العمل المشترك.
الدور الإقليمي والدولي
يلعب الدعم الإقليمي والدولي دورًا محوريًا في تحديد مستقبل الجيش السوري الجديد. فبينما تعتمد تركيا على بعض الفصائل للضغط على قوات سوريا الديمقراطية، تُبقي الولايات المتحدة دعمها لقسد عاملًا مؤثرًا في المشهد.
من جانب آخر، يتوقع مراقبون أن تؤثر التطورات السياسية في الولايات المتحدة وتركيا على مواقف الأطراف المحلية وتفاعلها مع مشروع الدمج.
الاحتياجات الأمنية خلال المرحلة الانتقالية
مرحلة الانتقال من التنظيمات المسلحة إلى مؤسسة عسكرية نظامية تتطلب توافقًا سياسيًا وأمنيًا لضبط استخدام القوة.
ومع أن الانهيار السريع لنظام الأسد يخفف من تعقيد المشهد، فإن احتمالات ظهور ثورات مضادة أو تنفيذ عمليات تستهدف قادة الجيش الجديد تظل قائمة.
إعادة بناء الجيش السوري تمثل تحديًا معقدًا يتطلب رؤية استراتيجية طويلة الأمد ودعمًا داخليًا وإقليميًا لتحقيق الاستقرار.
وبينما تسير الإدارة السورية الجديدة بخطوات جدية نحو تحقيق هذا الهدف، فإن النجاح يعتمد بشكل كبير على تجاوز الانقسامات الداخلية، والتفاعل الإيجابي مع القوى الدولية والإقليمية، والقدرة على مواجهة التحديات الأمنية والهيكلية التي تعترض طريقها.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة بوابة فيتو ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من بوابة فيتو ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.